شهد حفل افتتاح كأس العالم بقطر بحضور زعماء العالم بدأ المصالحة المصرية التركية ، حرص أمير قطر تميم بن حمد علي إتمام اللقاء بين الرئيسي المصري والتركي في الدوحة، ماحدث يبرهن علي إذعان الجانب التركي لما إشترطته مصر وقبوله ليس عن إقتناع بقدر إيمانه بمزايا المصالحة مع مصر، إقرار تركي واضح بهزيمة المشروع العثماني الجديد في مصر والمنطقة، والأهم التخلي عن حلم الخلافة، وترك الإخوان بلا حماية أو ظهير سياسي، وتجرع أردوغان كأس المرارة وهو يصافح رمز الدولة المصرية التي تحطمت علي صخرتها كافة المشاريع المشبوهة، ربما هي المرة الأولى للمصافحة منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد حكم البلاد، فمنذ اندلاع ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣ م المجيدة التي أعادت مصر للمصريين ، وجنبت مصر من الدخول في نفق التطرف الإسلامي المظلم، رغم التودد التركي المتواصل وقرارات قاسية إتخذها أردوغان ضد عناصر الإخوان المتواجدين علي الأراضي التركية وإغلاق قنوات اعتادت علي التحريض ضد مصر في العلن، إلا أن السيسي آثر أن يصبر حتي تنضج الطبخة علي نار هادئة للحصول علي أفضل النتائج خاصة وأنه يدرك جيداً طبيعة خصمه المراوغ ، فوجئ الجميع بالمصافحة الإستثنائية بين أردوغان والسيسي، جاءت المصافحة في خضم إنتكاسة منيت بها المفاوضات بين أنقرة والقاهرة بسبب تجدد الخلافات بينهما في ليبيا لدرجة أن أردوغان، أعلن عن إمكانية إصلاح العلاقات بعد الإنتخابات التركية المقرّرة منتصف العام القادم، وهو ما يعني تجميد مسار المصالحة في الوقت الحالي، الأزمة بيننا وبين تركيا عميقة ومرتبطة بقضايا معقدة منها الإختلاف حول الموقف من الربيع العربي وعلاقة أنقرة بجماعة الإخوان إلى دخولهما في تنافس إقليمي أوسع مروراً بإنخراطهما العميق في الصراع الليبي، دل اللقاء والمصافحة في الدوحة في حدث عالمي هام على أن الرئيسان قررا أخيراً تجاوز هذا العائق، ودفع المفاوضات دفعة قوية من جديد، والأهم أن التواصل بينهما سيشجع على إتخاذ قرارات جريئة في المستقبل.
تتفق معه أم تختلف .. عليك الإعتراف بأن الإدارة المصرية بالصبر والدهاء، نجحت في افساد المخططات الغربية التركية، وحققت ما تريد، أفشلت مخططاتهم بدءاً من يناير 2011 مروراً بإفشال مشروع تمكين التنظيم الديني من التسلط علي الحكم ولفظ أنفاسه في 30/6 إنتهاءاً بآخر أمل في 11/11والذي توج بنجاح قمة المناخ الدولية في شرم الشيخ، الصراع علي الغاز في شرق المتوسط تم حسمه مصرياً وتحولت القاهرة لمركز منتدي غاز شرق المتوسط، ولم يعد خيار أمام الأتراك سوي الوساطة المصرية للإنضمام، في محاولة للاستفادة من المشروع الإقليمي، بدلا من الخروج بخفي حنين، أنفقت تركيا وقطر المليارات بلا طائل لدعم التنظيمات الإرهابية، والحركات الإسلامية في المنطقة بمباركة الديمقراطيين، ومحاولة ضرب الإستقرار في الداخل المصري وإسقاط مبارك، ثم السيسي، وبعد الفشل الذريع تجرعوا مرارة الهزيمة وجاءوا متوددين، اهتزت الصورة الأمريكية في العالم حاليا، بعد فشلها في اخضاع روسيا، ودعم أوكرانيا الحليفة لامريكا واوروبا الشرقية ، كما فشلت في إعادة الإقتصاد الأوروبي بعد أزمة كورونا العالمية، إنهيار أسعار الدولار، وفرض الدب الروسي سيطرته وشروطه لقبول إيقاف الحرب، تعثر المفاوضات الأمريكية مع إيران، سطوع نجم السعودية في عهد السلمانيين، وخروجه من زيارة المملكة بلا نفط، تراجعه عن عدم لقاء بن سلمان، أزمة التدخلات الأمريكية في جزيرة تايوان بعد زيارة بيلوسي ، والتي كادت تعصف بالأمن والسلام العالمي، بعكس مخططاتهم ورغم المعاناة الإقتصادية نجحت مصر في تنظيم مؤتمر عالمي حضره زعماء دول العالم وشهد الجميع بقدراتها ومكانتها، لا شك أن حرص تركيا على اللعب بورقة الأزمة الليبية وإستحوذها علي القرار السياسي في غرب ليبيا وخيراته وبقي الخط الأحمر الذي حددته مصر (سرت – الجفرة) شوكة في حلق الأتراك، ومانعاً أمام التمدد نحو منابع البترول الليبي ومثلت خليج سرت الغنى بالنفط، الفرصة متاحة أمام تبني تفاهمات جديدة ترسم شكل مغاير لما سبق لمستقبل العلاقات الإستراتيجية المتوقعة بين مصر وتركيا وتنهي إحتمالات حدوث صدام عسكري مباشر بدا حتمياً في ليبيا، خرجت منه الإدارة المصرية بحكمة وذكاء وحققت أقصى ما يمكن الاستفادة منه في الوضع الراهن، واحداث توازن بين علاقتنا الخارجية مع اليونان وقبرص والصدام مع تركيا ومن معها، مكاسب مصر من حدوث مصالحة مع تركيا تفوق مايبدو ظاهراً للعيان، تجفيف منابع الإرهاب في سيناء وليبيا يجنبها الإستنزاف الحالي لجزء من مقدرات قواتنا المسلحة، والتي قادت الضربات العسكرية في سيناء منذ ٢٠١٨ م وحتي الآن، لتقوم بتوجيه تلك القدرات لمشاريع النهضة المعطلة لاستكمال التنمية ورؤية ٢٠٣٠ م.
طلب أردوغان الوحيد المعلن حتى الآن من مصر هو تغيير موقفها من أجل السلام في البحر المتوسط، تسعى تركيا وقطر بناء محور ثلاثي بضم مصر يشكل قوة لايستهان بها إقليمياً في وقت تواجه فيه تركيا تحديات إقليمية ودولية، الإنفتاح علي قطر وتركيا سيتيح لمصر خلق توازن سياسي وإقتصادي يعوض فتور وتقاعس حلفاء تقليديين، لم يكونوا بحجم طموحات رؤي مصر المستقبلية، وزارة الدفاع التركية أجرت تقييماً حول عدد القوات البرية اللازمة للمشاركة بعملية عسكرية، وأجرينا إتصالات دبلوماسية مع الدول التي لها وجود شمال سوريا والعراق، روسيا لم تلتزم بإتفاقية سوتشي بشأن إخراج الإرهابيين من المنطقة، ماسبق يتسق مع تنفيذ عملية برية تركية شمال سوريا والعراق، كما هددت وإيران أيضاً بإجتياح بري للمناطق الكردية شمال العراق.
موقف مصر في ليبيا أقل قوة بفعل رهانها الخاسر على دعم حكومة فتحي باشاغا، من أجل قلب موازين القوى الليبية لصالحها، بعدما فشل في دخول العاصمة طرابلس وإطاحة حكومة الدبيبة، ويؤدي هذا الرهان إلى تعميق العلاقة بين أنقرة وحكومة الدبيبة بشكل متزايد، وهو ما يزيد من تهميش المصالح المصرية في ليبيا، في وقت بدت فيه القاهرة شبه وحيدةٍ في الموقف ضد أنقرة، إختار السيسي التوقيت الحالي للتجاوب بعد تخلي الرياض وأبوظبي عن خصومتهما مع أنقرة دون التنسيق معه، هنا لجأ السيسي للخيار الرابح والأكثر واقعية وهو الإلتفات بشكل أكبر إلى مصالح مصر مع تركيا بمعزل عن تموضعها الإقليمي، لكن ليس خريج مدرسة المخابرات من لا يضع هذه الإحتمالات في حساباته، كذلك سعي أردوغان لتفكيك تكتل إقليمي شاركت فيه مصر بهدف عزله فبادر بإصلاح علاقاته مع أطراف هذا التكتل (إسرائيل والإمارات) ، من هنا أدركت الإدارة المصرية أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فكان الصلح في الدوحة في حدث بحجم كأس العالم لكرة القدم رسالة لمن يهمه الأمر، من غير المرجح أن تؤدي مصافحة السيسي- أردوغان إلى نتائج فورية
وإزالة الخلافات بشأن الملف الليبي، لكن التطورات الإقليمية والدولية المُحيطة بهذا المسار تعمل بشكل متزايد في الضغط على القاهرة لتعزيز الأرضية التي بنتها مع أنقرة منذ فتح قناة تواصل مشتركة والبناء عليها للدخول في مفاوضات رفيعة من أجل إيجاد أرضية مشتركةٍ للتعاون في ليبيا، والاستفادة من دروس الماضي والبحث عما يحقق مصالح الطرفين بحكم أن لديهما مصلحة مشتركة في التعايش في ليبيا ، تزامناً مع حقيقة أن الشراكة المصرية الإماراتية في ليبيا قد إنهارت، أردوغان يري مصلحة في إنهاء سريع للمقاطعة مع القاهرة ويتطلع إلى إبرام إتفاقية معها لترسيم الحدود البحرية بأي ثمن، هناك عقبة أخرى عطلت مسار المصالحة التركية المصرية وتتمثل في إنتخابات تركيا، إذ أظهرت القاهرة ميل نحو إنتظار نتائج الإنتخابات لتحديد المكاسب والخسائر المحتملة من أي تحوّل في العلاقة مع تركيا لكنّ كسر الجليد بين أردوغان والسيسي يُساهم في إزالة هذه العقبة، وتشجيع القاهرة على التخلي عن تباطؤها المعتمد في حسم الملف.
نثق في حكمة القيادة السياسية، وندرك خطورة ودقة العديد من الملفات الخارجية الشائكة، وتشابك المصالح والعلاقات الدولية، في عالم يترنح مابين إنهيار اقتصادي نتج عن أزمة عالمية خلفتها جائحة كورونا، وحرب غرب أوروبا أصابت العالم بالشلل، وتهديد نووي بات قريب أكثر من اي وقت سابق ، تغير التوازنات القوى الدولية، وصعود قوي عالمية جديدة، صراع أمريكي صيني روسي على حكم العالم، على المستوى الشخصي مطمئن لدينا خبرة سياسية نابعة عن دبلوماسية معتدلة ورشيدة، تستطيع أن تحقق أهدافها بأقل الخسائر، وتحفظ حقوق دولتنا المصرية.
حفظ الله مصر.